غيبته (عليه السلام)
بالنسبة إلى الغيبة كم ولى لله تعالى يقطع الارض بعبادة ربه تعالى والتفرد من الظالمين بعمله ـ منهم الخضر عليه السلام موجود قبل زمان موسى عليه السلام الى وقتنا هذا، باجماع أهل النقل واتفاق أصحاب السير والأخبار سائحاً في الأرض لا يعرف له أحد مستقراً ولا يدعى له اصطحاباً إلاّ ما جاء في القرآن به من قصته مع موسى عليه السلام.
وقد كان من غيبة موسى بن عمران عليه السلام عن وطنه وفراره من فرعون ورهطه ما نطق به الكتاب، ولم يظهر عليه أحد مدة غيبته عنهم فيعرف له مكانا، حتى ناجاه الله عزوجل وبعثه نبياً فدعا اليه وعرفه الولى والعدو اذ ذاك.
وكان من قصة يوسف بن يعقوب عليهم السلام ما جاءت به سورة كامله بمعناه، وتضمنت ذكر استتار خبره عن أبيه، وهو نبي الله تعالى يأتيه الوحي منه سبحانه صباحاً ومساءً، وأمره مطويٌ عنه وعن إخوته، وهم يعاملونه ويبايعونه ويبتاعون منه ويلقونه ويشاهدونه فيعرفهم ولا يعرفونه حتى مضت على ذلك السنون وانقضت فيه الأزمان...
وكان من أمر يونس نبي الله عليه السلام مع قومه وفراره عنهم عند تطاول المدة في خلافهم عليه واستخفافهم بحقوقه، وغيبته عنهم لذلك عن كل احد من الناس حتى لم يعلم بشر من الخلق مستقره ومكانه إلا الله تعالى.
وأمر أصحاب الكهف نظير لما ذكرناه، وقد نزل القرآن بخبرهم وشرح أمرهم، في فرارهم بدينهم من قومهم وحصولهم في كهف ناءٍ عن بلدهم فاماتهم الله فيه، وبقى كلبهم باسطاً ذراعيه بالوسيط، ودبّر أمرهم في بقاء اجسامهم على حال أجساد الحيوان لا يلحقها بالموت تغيّر ـ فبقوا على ذلك ثلاث مائة سنة وتسع سنين على ما جاء به الذكر الحكيم ثم احياهم فعادوا الى معاملة قومهم ومبايعتهم.
وقد كان من أمر صاحب الحمار الذي نزل بذكر قصته القرآن... فبقى طعامه وشرابه بحاله لم يغيّره تغيير طبائع الزمان... فلما احياه الله تعالى المذكور بالعجب من حياة الأموات وقد أماته مائة عام.
وليس في زماننا الآن مثل ذلك، ولا سمعنا بنظير له في سواه، وهو بعيد عن تعارفنا، ولولا أن القرآن جاء بذكر هؤلاء القوم وخبرهم لتسرعت الناصبة الى إنكار ذلك كما يتسرع الى إنكاره الملحدون والزنادقة والدهريون ويحيلون صحة الخبر به.
وعلى هذا ذهب اليه الامامية في تمام استتار صاحبها وغيبته ومقامه على ذلك طول مدّته أقرب في العقول والعادات مما أوردناه من أخبار المذكورين في القرآن. (الشيخ المفيد / الفصول العشرة / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 83 ـ 87).