مقاييس الحب
وقد تلتبس مظاهر الحب في الاخلاء خاصة والناس عامة، وتخفى سماته وعلائمه، ويغدو المرء آنذاك في شك وارتياب من ودّهم أو قلاهم، وقد وضع أهل البيت عليهم السلام مقاييس نفسية تستكشف دخائل الحب والبغض في النفوس وتجلو أسرارها الخفية.
قال الراوي: سمعت رجلاً يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال:
الرجل يقول اودك، فكيف اعلم انه يودني؟
فقال عليه السلام: «امتحن قلبك، فان كنت توده فانه يودك» (1).
وقال عليه السلام في موطن آخر:
«انظر قلبك، فان انكر صاحبك، فاعلم أنه احدث» (2) يعني قد احدث ما يوجب النفرة وضعف المودة.
وعن أبي جعفر عليه السلام قال:
«لما احتضر امير المؤمنين عليه السلام جمع بنيه، حسناً وحسيناً وابن الحنفية والاصاغر فوصّاهم، وكان في آخر وصيته : - يا بنيّ عاشروا الناس عشرة، ان غبتم حنّوا اليكم، وإن فقدتم بكوا عليكم، يا بنّي إن القلوب جنود مجندة تتلاحظ بالمودة، وتتناجى بها، وكذلك هي في البغض،
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 106 عن الكافي.
(2) الوافي ج 3 ص 106 عن الكافي.
{ 448 }
فاذا احببتم الرجل من غير خير سبق منه اليكم فارجوه، واذا ابغضتم الرجل من غير سوء سبق منه اليكم فاحذروه» (1).
الصداقة بين المدّ والجزر:
اختلف العقلاء في أيّهما ارجح وأفضل، الاكثار من الاصدقاء أو الاقلال منهم.
ففضل بعضهم الاكثار منهم والتوفر عليهم، لما يؤمل فيهم من جمال المؤانسة وحسن المؤازرة والتأييد.
ورجح آخرون الاقلال منهم، لما ينجم عن استكثارهم من ضروب المشاكل المؤدية الى التباغض والعداء، كما قال ابن الرومي:
عدوك من صديقك مستفاد*** فلا تستكثرن من الصحاب
فانّ الداء اكثر ما تراه*** يكون من الطعام او الشراب
والحق أنّ قيم الأصدقاء ليست منوطة بالقلة او الكثرة، وانما هي فيما يتحلون به من صفات النبل والاخلاص والوفاء، التي لا تجتمع الا في المثاليين منهم، وهم فئة قليلة نادرة تتألق في دنيا الاصدقاء تألق اللآليّ بين الحصا.
_____________________
(1) البحار كتاب العشرة ص 46 عن امالي الشيخ ابي علي ابن الشيخ الطوسي.